سورة الأنعام - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


وقوله عز وجل: {وكذلك نفصل الآيات} يعني وكما فصلنا لك يا محمد في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد وإبطال ما هم عليه من الشرك كذلك نميز ونبين لك أدلة حججنا وبراهيننا على تقرير كل حق ينكره أهل الباطل {ولتستبين} قرأ بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني وليظهر لك الحق يا محمد ويتبين لك {سبيل المجرمين} يعني طريق هؤلاء المجرمين وقرأ بالياء على الغيبة ومعناه ليظهر ويتضح سبيل المجرمين يوم القيامة إذا صاروا إلى النار.
قوله تعالى: {قل} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين {إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله} يعني نهيت أن أعبد الأصنام التي تعبد ونها أنتم من دون الله وقيل تدعونها عند شدائدكم من دون الله لأن الجمادات أخس من أن تعبد أو تدعى وإنما كانوا يعبد ونها على سبيل الهوى وهو قوله تعالى: {قل لا أتبع أهواءكم} يعني في عبادة الأصنام وطرد الفقراء {قد ضللت} يعني: {إذ} عبد تها {وما أنا من المهتدين} يعني لو عبد تها {قل} يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين {إني على بينة من ربي} قال ابن عباس: يعني على يقين من ربي، وقيل: البيّنة الدلالة التي تفصل بين الحق والباطل والمعنى: إني على بيان وبصيرة في عبادة ربي {وكذبتم به} يعني وكذبتم بالبيان الذي جئت به من عند ربي وهو القرآن والمعجزات الباهرات والبراهين الواضحات التي تدل على صحة التوحيد وفساد الشرك {ما عندي ما تستعجلون به} يعني العذاب، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم وكانوا يستعجلون به استهزاء وكانوا يقولون: يا محمد ائتنا بما تعدنا يعني من نزول العذاب، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: ما عندي ما تستعجلون به لأن إنزال العذاب لا يقدر عليه إلا الله تعالى ولا يقدر أحد على تقديمه ولا تأخيره.
وقيل: كانوا يستعجلون بالآيات التي طلبوها واقترحوها فأعلم الله أن ذلك عنده ليس عند أحد من خلقه. وقيل: كانوا يستعجلون بقيام الساعة ومنه قوله تعالى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها {إن الحكم إلا لله} يعني الحكم الذي يفصل به بين الحق والباطل والثواب للطائع والعقاب للعاصي أي ما الحكم المطلق إلا لله ليس معه حكم فهو يفصل بين المختلفين ويقضي بإنزال العذاب إذا شاء {يقص الحق} قرئ بالصاد المهملة. ومعناه: يقول الحق لأن كل ما أخبر به فهو وحق وقرئ يقض بالضاد المعجمة من القضاء يعني أنه تعالى يقضي القضاء الحق {وهو خير الفاصلين} يعني وهو خير من بين وفصل وميز بين المحق والمبطل لأنه لا يقع في حكمه وقضائه جور ولا حيف على أحد من خلقه.


{قل لو أن عندي ما تستعجلون به} يعني: من إنزال العذاب. والاستعجال، المطالبة بالشيء قبل وقته، فلذلك كانت العجلة مذمومة، والإسراع تقديم الشيء في وقته، فلذلك كانت السرعة محمودة. والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستعجلين لنزول العذاب لو أن عندي ما تستعجلون به لم أمهلكم ساعة ولكن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة.
قوله تعالى: {لقضي الأمر بيني وبينكم} لا نفصل ما بيني وبينكم ولأتاكم ما تستعجلون به من العذاب {والله أعلم بالظالمين} يعني أنه أعلم بما يستحقون من العذاب والوقت الذي يستحثونه فيه وقيل علم أنه سيؤمن بعض من كان يستعجل بالعذاب فلذلك أخره عنهم قال والله أعلم بالظالمين وبأحوالهم. قوله عز وجل: {وعنده مفاتح الغيب} المفتاح الذي يفتح به المغلاق جمعه مفاتيح ويقال فيه تفتح بكسر الميم وجمعه مفاتح والمفتح بفتح الميم الخزانة وكل خزانة كانت لصنف من الأشياء فهي مفتح وجمعه مفاتح فقوله وعنده مفاتح الغيب يحتمل أن يكون المراد منه المفاتيح التي يفتح بها ويحتمل أن يكون المراد منه الخزائن. فعلى التفسير الأولى فقد جعل للغيب مفاتيح على طرق الاستعارة، لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق، فمن علم كيف يفتح بها ويتوصل إلى ما فيها، فهو عالم. وكذلك ها هنا لأن الله تعالى لما كان عالماً بجميع المعلومات وما غاب منها وما لم يغب عن هذا المعنى بهذه العبارة.
وعلى التفسير الثاني، يكون المعنى وعنده خزائن الغيب والمراد منه القدرة الكاملة على كل الممكنات ثم اختلفت أقوال المفسرين في قوله وعنده مفاتح الغيب {لا يعلمها إلا هو} فقيل: مفاتيح الغيب خمس وهي ما روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى، لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يدري أحد متى يجيء المطر».
وفي رواية أخرى: «لا يعلم أحد ما تغيض الأرحام، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى الساعة إلا الله»، أخرجه البخاري. وقال الضحاك ومقاتل: مفاتح الغيب: خزائن الأرض، وعلم نزول العذاب، وقال عطاء: هو ما غاب عنكم من الثواب والعقاب. وقيل: هو انقضاء الآجال وعلم أحوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتيم أعمالهم. وقيل: هو علم ما لم يكن بعد أن يكون إذ يكون كيف يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون وقال ابن مسعود: أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء إلا مفاتح الغيب.
وقال ابن عباس: إنها خزائن غيب السموات والأرض من الأقدار والأرزاق {ويعلم ما في البر والبحر} قال مجاهد: البر المفاوز والقفاز، والبحر القُرى والأمصار لا يحدث فيها شيء إلا وهو يعلمه. وقال جمهور المفسرين: هو البر والبحر المعروفان، لأن جميع الأرض إما بر وإما بحر وفي كل واحد منهما من عجائب مصنوعاته وغرائب مبتدعاته ما يدل على عظيم قدرته وسعة علمه {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} يريد ساقطة وثابتة والمعنى أنه يعلم عدد ما يسقط من الورق وما بقي على الشجر من ذلك ويعلم كم انقلبت ظهراً لبطن إلى أن تسقط على الأرض {ولا حبة في ظلمات الأرض} قيل: هو الحب المعروف يكون في بطن الأرض قبل أن ينبت. وقيل: هي الحبة التي في الصخرة التي في أسفل الأرضين {ولا رطب ولا يابس} قال ابن عباس: الرطب الماء واليابس البادية. وقال عطاء: يريد ما ينبت وما لا ينبت. وقيل: المراد بالرطب الحي واليابس الميت. وقيل: هو عبارة عن كل شيء لأن جميع الأشياء إما رطبة وإما يابسة.
فإن قلت إن جميع هذه الأشياء داخلة تحت قوله وعنده مفاتح الغيب فَلِمَ أفرد هذه الأشياء بالذكر وما فائدة ذلك؟
قلت: لما قال الله تعالى وعنده مفاتح الغيب على سبيل الإجمال ذكر من بعد ذلك الإجمال ما يدل على التفصيل، فذكر هذه الأشياء المحسوسة ليدل بها على غيرها، فقدم ذكر البر والبحر لما فيهما من العجائب والغرائب من المدن والقرى والمفاوز والجبال وكثرة ما فيها من المعادن والحيوان، وأصناف المخلوقات مما يعجز الوصف عن إدراكها، ثم ذكر بعد ذلك ما هو أقل من ذلك وهو مشاهد لكل أحد لأن الورقة الساقطة والثابتة يراها كل أحد، لكن لا يعلم عددها وكيفية خلقها إلا الله تعالى ثم ذكر بعد ذلك ما هو أصغر من الورقة وهي الحبة. ثم ذكر بعد ذلك مثالاً يجمع الكل وهو الرطب واليابس فذكر هذه الأشياء وأنه لا يخرج شيء منها عن علمه سبحانه وتعالى فصارت هذه الأمثال منبهة على عظمة عظيمة وقدرة عالية وعلم واسع فسبحان العليم الخبير.
قوله تعالى: {إلا في كتاب مبين} فيه قولان: أحدهما أن الكتاب المبين هو علم الله الذي لا يغير ولا يبدل.
والثاني: أن المراد بالكتاب المبين، هو اللوح المحفوظ، لأن الله كتب فيه علم ما يكون وما قد كان قبل أن يخلق السموات والأرض. وفائدة إحصاء الأشياء كلها في هذا الكتاب، لتقف الملائكة على إنفاذ علمه ونبه بذلك على تعظيم الحساب وأعلم عباده أنه لا يفوته شيء مما يصنعونه لأنه من أثبت ما لا ثواب فيه ولا عقاب في كتاب فهو إلى إثبات ما فيه ثواب وعقاب أسرع.
قوله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} يعني يقبض أرواحكم إذا نمتم بالليل {ويعلم ما جرحتم} ما كسبتم {بالنهار ثم يبعثكم فيه} أي يوقظكم فيه أي في النهار {ليقضى أجل مسمى} يعني أجل الحياة إلى الممات يريد استيفاء العمر على التمام {ثم إليه مرجعكم} في الآخرة {ثم ينبئكم} أي يخبركم {بما كنتم تعملون}.


قوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده} يعني وهو العالي عليهم بقدرته لأن كل من قهر شيئاً وغلبه فهو مستعلٍ عليه بالقهر والقدرة. فهو كما يقال: أمرُ فلانٍ فوقَ أمرِ فلانٍ، يعني: أنه أقدر منه. وأغلب هذا مذهب أهل التأويل في معنى لفظة فوق في قوله: {وهو القاهر فوق عباده} وأما مذهب السلف. فيها: فإمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تأويل ولا إطلاق على جهة والقاهر هو الغالب لغيره المذلل له والله تعالى هو القاهر لخلقه وقهر كل شيء بضده فقهر الحياة بالموت والإيجاد بالإعدام والغنى بالفقر والنور بالظلمة.
وقوله تعالى: {ويرسل عليكم حفظة} يعني أن من جملة قهره لعباده إرسال الحفظة عليهم والمراد بالحفظة الملائكة الذي يحفظون أعمال بني آدم من الخير والشر والطاعة والمعصية وغير ذلك من الأقوال والأفعال قيل إن مع كل إنسان ملكين ملكاً عن يمينه وملكاً عن شماله فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال اصبر عليه لعله يتوب منها فإن لم يتب منها كتبها عليه صاحب الشمال. وفائدة جعل الملائكة موكلين بالإنسان أنه إذا علم أن له حافظاً من الملائكة موكلاً به يحفظ عليه أقواله وأفعاله في صحائف تنشر له وتقرأ عليه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد كان ذلك زاجراً له عن فعل القبيح وترك المعاصي. وقيل: المراد بقوله ويرسل عليكم حفظة، هم الملائكة الذين يحفظون بني آدم ويحفظون أجسادهم. قال قتادة: حفظه يحفظون على ابن آدم رزقه وأجله وعمله {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا} يعني أعوان ملك الموت الموكلين بقبض أرواح البشر.
فإن قلت قال الله تعالى في أية: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} وقال في آية أخرى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} وقال هنا توفته رسلنا فكيف الجمع بين هذه الآيات؟ قلت وجه الجمع بين هذه الآيات أن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى، فإذا حضر أجل العبد، أمر الله ملك الموت بقبض روحه ولملك الموت أعوان من الملائكة يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده فإذا وصلت إلى الحلقوم تولى قبضها ملك الموت نفسه فحصل الجمع بين الآيات. وقيل: المراد من قوله توفته رسلنا ملك الموت وحده وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيماً له. وقال مجاهد: جعلت الأرض لملك الموت مثل اطشت يتناول من حيث شاء وجعلت له أعوان ينزعون الأنفس ثم يقبضها منهم وقال أيضاً: ما من أهل بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطيف بهم كل يوم مرتين. وقيل: إن الأرواح إذا كثرت عليه يدعوها فتستجيب له وقوله: {وهم لا يفرطون} يعني الرسل لا يقصرون فيما أمروا به ولا يضيعونه.
قوله عز وجل: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} يعني ثم رد العباد بالموت إلى الله في الآخرة وإنما قال مولاهم الحق لأنهم كانوا في الدنيا تحت أيدي موال بالباطل والله مولاهم وسيدهم ومالكهم بالحق {ألا له الحكم} يعني لا حكم إلا له {وهو أسرع الحاسبين} يعني أنه تعالى أسرع من حسب لأنه لا يحتاج إلى فكر وروية وعقد يد فيحاسب خلقه بنفسه لا يشغله حساب بعضهم عن بعض.
قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} يعني يا محمد، قل لهؤلاء الكفار الذين يعبد ون الأصنام من دون الله من ذا الذي ينجيكم من ظلمات البر إذا ضللتم فيه وتحيرتم وأظلمت عليكم الطرق ومن ذا الذي ينجيكم من ظلمات البحر إذا ركبتم فيه فأخطأتم الطريق وأظلمت عليكم السبل فلم تهتدوا وقيل: ظلمات البر والبحر مجاز عما فيهما من الشدائد والأهوال وقيل الحل على الحقيقة أولى. فظلمات البر هي ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح فيحصل من ذلك الخوف الشديد لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب وظلمات البحر ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح العاصفة والأمواج الهائلة فيحصل من ذلك أيضاً الخوف الشديد من الوقوع في الهلاك فالمقصود أن عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان فيه إلا إلى الله سبحانه وتعالى لأنه هو القادر على كشف الكروب وإزالة الشدائد وهو المراد من قوله: {تدعونه تضرعاً وخفية} يعني فإذا اشتد بكم الأمر تخلصون له الدعاء تضرعاً منكم إليه واستكانة. جهراً وخفية: يعني سراً وحالاً {لئن أنجانا من هذه} قائلين في حال الدعاء والتضرع لئن أنجيتنا من هذه الظلمات وخلصتنا من الهلاك {لنكونن من الشاكرين} يعني لك على هذه النعمة والشكر وهو معرفة النعمة مع القيام بحقها لمن أنعم بها.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10